من لطائف القرآن الكريم

لماذا قال عن سليمان (عليه السلام) ( فلما خر تبينت الجن) ولم يقل ( فلما سقط) ( او وقع)؟؟؟؟؟؟
وهذا ينقلنا الى سؤال مشابه لماذا قال فى سورة النجم ( والنجم اذا هوى) ولم يقل ( والنجم اذا سقط) (او وقع) ؟ وغيرها من الأمثلة ؟
للاجابة عن ذلك لابد من فهم طبيعة النظم القرانى الذي يضع الكلمة المناسبة للمشهد التصويرى الذى يرسمه جو السورة ،حتى فى صوت الكلمة
ففى سورة النجم ، وبعد ان يتخيل القارىء المشهد التصويري للسورة الذي يصور رحلة المعراج صعود البراق برسول الله ص وكذلك نزول جبريل ع الى الرسول ص ليصحبه فى الرحلة
فالسورة تصور مشهد نزول (النور) - جبريل- وصعود (النور) - محمد (صلى الله عليه وسلم)- وبالسرعة التى تفوق سرعة الضوء او اقصى سرعة او الطيران فى ( الهواء) ( الهوى)
فاختار النظم القرانى الكلمة التى تناسب هذا المشهد التصويرى (هوى) والتى تعنى (وقع او سقط) ولكنها تناسب
اولا:- فى صوتها ( هوى) رحلة الطيران فى الهواء ( الهوى- الهواء)، ولايناسبها فى الصوت كلمة سقط او وقع
ثانيا: فى المعنى، حيث ان كلمة هوى) تعنى النزول الاختيارى وبالسرعة المناسبة، اما سقط او وقع فهى للنزول او السقوط الاجبارى او الغير اختيارى، كسقوط الحجارة وغيرها
ثالثا: مناسبة الكلمة لمشهد نزول النور (النجم) وصعود النور ( النجم) فاختار الكلمة التى تناسب المعنيان،فكانت كلمة ( هوى) التى تقرأ بالفتح والكسر - التى تعنى النزول والصعود فى القراءتين
رابعا: مناسبة ذلك لفواصل الايات
هكذا الحال فى كلمة (فلما خر) التى تصور مشهد وقوع سليمان ع على الارض بالصورة التدريجية والتمويهية عن الجن التى لاتشير لحالة الموت الكامل،وكأنه مغمى عليه فقط كما قال تعالى عن ( خر موسى صعقا، فلما أفاق) حيث انه لم يمت، والفرق ان خرور سليمان لم يقل فيه (صعقا)
وكذلك ناسب مقامه كلمة ( خر) وليس سقط او وقع)
فالكلمة( خر) كأنها تصور من (خارت قواه) وكأن النزول استمر تدريجيا وتواصل لفترة كما هو الحال فى (خرور الماء) ولانقول (سقوط الماء) الا اذا كان دفعة واحدة وانقطع، وكأن القرضة التى كانت تأكل ( منسأته) تجعله ينزل تدريجيا الى ان تم قرضها بالكامل حينها- وربما استمر ذلك شهورا- تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا فى العذاب المهين
اضافة الى ان كلمة (سقط) او ( وقع) لا تليق بمقام النبى سليمان كما ذكرنا
والله اعلم، ولذلك قال سبحانه عن داوود ع ( خر راكعا) ولم يقل ( سقط) راكعا
اضافة الى ان هذا المشهد التصويرى فى (تأخير ) (بيان الوفاة) لسليمان ع. يتناسب مع كلمة ( منسأته) التى تعنى ( العصى التى يستند عليها) ولكن النظم المبهر لم يقل (عصاته) لما يلى
اولا: ان (المنسأة) تعنى العصاة الغليظة
ثانيا: ان ( المنسأة) جاءت من كلمة ( النسىء) وهو التأخير ، كما فى قوله تعالى ( انما النسيء زيادة فى الكفر) أى (تأخير) شهر من الشهور الحرم
وبذلك نجد ان ( منسأته) تناسب فى معناها ( التأخير) نفس المشهد التصويري فى تأخير نبأ وفاة سليمان ع
ولكن النظم اختار كلمة عصا مع موسى لانه يهش بها على غنمه ويسقط بها اوراق الشجر
وهكذا النظم القرانى يضع الكلمة المناسبة ( فى معناها وصوتها) للمشهد التصويرى

مجهود رائع مميز